ضوء العتمات
“ضوء العتمات” .. مختارات شعرية لمحمد بنيس
ويحسب لبنيس الريادة في أنه استطاع على مدار خمسة عقود من الإبداع الشعري أن يبلور طريقة لكتابة الشعر تميز بها أطلق عليها النقاد اسم “شعرية الكتابة”، ففي عدد من قصائده نجح في أن يجمع بين البصري والسمعي في نصوص شعرية تستعيد تجربة شعراء أندليسيين كبار.
كما يلمس المتابع لمشواره الشعري أنه يعتمد بناء حيويا للقصيدة الشعرية التي يكتبها، فحرص في كل قصائده على أن يضع ذاتيته في مركزية القصيدة، ويمكن أن يظهر ذلك من خلال عدد من القصائد التي ضمها هذا الكتاب من ديوانه “ورقة البهاء”.
في هذا الديون الذي يعتبر من أشهر دوواين شعره، تحضر مدينة فاس بقوة في معظم القصائد التي يضمها الديوان، على اعتبار أن فاس هي مدينة الميلاد والنشأة والتكوين للشاعر.
وفي تقديمه لكتاب المختارات، الذي بين أيدينا يقول الشاعر محمد بنيس أن قيامه بانتقاء هذه القصائد التي ضمها في كتاب واحد هي أول مغامرة، في اقتحام عالم المنتخبات من القصائد الشعرية، ويعتبر أن اختيار مختارات من الشعر هي خبرة تختلف عن خبرة التأسيس لكتابة ديوان شعري واحد.
ويشير إلى أنه على مدار نصف قرن من الزمان، فإن القصائد التي كتبها تم ضمها في دواوين، بالإضافة إلى أعمال كاملة صدرت في مجلدين، كما تم ترجمة كثير من قصائد الشاعر إلى عدة لغات أجنبية ونشرتها أكثر من دار نشر خارج العالم العربي.
ومع صدور الكتاب الذي نعرض له، يكون قد مر على كتابته للشعر خمسون عاما كاملة، حيث يعتبر أن هذه الفترة التي قرض فيها الشهر كافية لدفعه لأخذ قرار لمراجعة ما كتبه، حيث تعطي له كل هذه الفترة من السنوات التي مرت على بداية كتابته للشعر الفرصة كاملة لكي يعيد رؤية ما كتب من قصائد بعين جديدة محايدة أو يصفها بأنها عين تسعى لتحقيق ما يصفه الشاعر بأنها رؤية محايدة لأعماله الشعرية.
كما يعتبر محمد بنيس أن إقدامه على خطوة اختيار مختارات من قصائده من أجل جمعها بين هذا الكتاب الذي بين أيدينا، هي فرصة لتجديد طاقة الإبداع لديه، مشيرا إلى أن طاقة الإبداع لدى كل مبدع يجب أن تتجدد كلما عثر المبدع على فرصة لاستحضار هذه الطاقة في عمل جديد، إلا أن الشاعر يؤكد في هذا الصدد على أن قوة الشعر هي قدرته على مد المتلقي برؤية للذات والفضاء الذي يعيش فيه ويتفاعل معه من خلال أبيات القصيدة.
ويشير بنيس إلى أن وضع المنتخبات الشعرية في الأزمنة القديمة، كما كان الحال لدي الشعراء العرب والصينيين على سبيل المثال، يخضع لقواعد ومعايير تستجيب لأفق المؤسسة الرسمية ووجهة نظرها، سواء كانت هذه القواعد والمعايير شعرية أو غير شعرية.
لكن الشاعر يشير إلى أنه في العصر الحديث، فقد أصبح يتمتع بحرية أكبر يتمتع بها القائم بعملية الاختيار وعملية الانتقاء للقصائد التي يختار أن تجمع بجوار بعضها البعض بين دفتي كتاب واحد.
أما جانب المغامرة التي يقصدها الشاعر في عملية انتقاء المختارات الشعرية التي قام بها، فهى أن هذه العملية تنطوي على استدعاء لقصائد سبق وأن كتبها في ظروف إبداعية مختلفة، حيث تتقابل بعض هذه الشعائر في معني من معانيها أو في الهدف الذي كتبت من أجله القصيدة.
ويوضح أنه خلال المغامرة التي قام بها خلال عملية انتقائه للقصائد التي ضمنها في هذا الكتاب قد أعطى الأولوية للقصيدة وليس لتاريخ كتابتها، ولذلك فقد سعى الشاعر خلال هذه العملية إلى اختيارها من خلال قراءة جديدة لكل قصيدة والظروف التاريخية والسياق الإبداعي الذي كتبت فيه.
إلا أن الشاعر يؤكد على أنه خلال عملية اختياره للقصائد التي ضمها بين هذا الكتاب، فهو قد فرض على نفسه أن يتخلص من انحيازاته الشخصية خلال عملية الاختيار وأن يكون اختيار القصائد الشعرية التي اختارها موجهة للقارئ بشكل خاص بعيدا عن أي ارتباطات ذاتية تربطه بذكرى أي قصيدة أو ظروف كتابتها، ولكن في نفس الوقت فإن الشاعر قد حرص على أن تتناغم القصائد المختارة مع بعضها البعض.