صدر عن دار توبقال للنشر بالدار البيضاء كتاب” شطحات لمنتصف النهار”، في طبعة ثانية، مصححة، وقد كانت طبعته الأولى قد صدرت سنة 1996، في بيروت. هذا الكتاب له وضعية استثنائية في أعمال الشاعر محمد بنيس. فهو عبارة عن شذرات من سيرة ذاتية، مكتوبة بطريقة تجمع بين أسلوب الوصف وكثافة الشعر. كتابة جسد حيوي، تبحث عن جمالية مضادة، لا تستلم للغة الاعترافات السهلة أو لغة السرد المباشر، المطول. ستة وأربعون نصاً يستعرض محمد بنيس من خلالها لحظات من حياته الشخصية، اليومية، الثقافية، منذ سنوات الطفولة حتى بداية التسعينيات، وقد انتقل من فاس إلى المحمدية، ومن التدريس في المحمدية إلى كلية الآداب في الرباط، ومن الكتابة الشخصية إلى الحياة الشعرية والثقافية في السبعينيات والثمانينيات كما عاشها، في أوضاعها وصراعاتها. كتابة تستعيد الماضي لتتأمله بوعي يختار لغة المقاومة.
من نص “رؤية نفسي”
“أرضُ الكتابة أرْضي. ولي في الكتابة وطنٌ وأصدقاء. قديماً، كنت أنصتُ إلى نداء أرض الكتابة. كنتُ أتوقعُ أرضها حرة، رحيمة. من أجْلها غالبتُ وواجهْت، حتى لا يسرق مني غاصبٌ حقي في هذه الأرض المشتركة، حيث أفترضُ أن كل شاعر يُصاحب فيها إخْوانه. ويعيشون أخوّةَ المغامرة. قديماً، تعهَّدت أن أعْطي جسدي لهذه الأرض، أن أقيم فيها، و أسافرَ فيها، بحثاً عن الصداقات. ثم الأرضُ الحرة انكشفتْ لي، في السهَر البدْئيِّ مع أساتذة كنتُ أسمعُهم ينادُون عليّ. عندها قلتُ لنفسي : إني أراكِ تائهة، حرة، تعبُرين هذه الأرضَ، وأراك تختارين ساعة العبور والصداقات. أنتِ، أيتها النفْسُ، في هذه الأرض قريبةٌ من السابقين واللاحقين، المقيمين والعابرين. قُرِّي عيناً، أيتها النفس، يا نفسي، بهذه الأرض، تابعي الطريق، طريقَك أنتِ، واعْلمِي أنه لا ينتَهي إلا ليبْدأ. ”