الجزء الثالث: تقاسم الأيام

0

3.
بهذه التفرُّعات المتنامية، اكتسبت الأعمالُ النثرية وضعيتَها المستقلة في لغتهَا وفي عوالمها. تعني الوضعية المستقلة أنّ الأعمال النثرية حرصتْ على استكشاف فضائها الخاص. فهي ركّزت على قضايا الحداثة في العالم العربي، وأوضاع القصيدة، وحالات الشعر العربي الحديث. رافقت ذلك كله بتأمّل نظريٍّ وتعاطف مع الأسئلة. ثم إنها سعتْ إلى تتبع الحداثة في العالم العربي، من ركن يلتقي فيه رصدُ الحالات بنقدها. الحداثة التي تتناولها متعددةُ الرؤوس، وهي كانتْ تبرز أكثر فأكثر في الوقائع الشعرية والثقافية، أو الصيرورات الاجتماعية، أو القيم الأخلاقية، بالتلازم مع الإبدالات التي شهدها العالم العربي، مغرباً ومشرقاً على السواء.
من بين أهمّ القضايا التي انشغلتْ والتصقتْ بها نقدُ تبعية الثقافي للسياسي، وتفكيكُ العلاقة بين المشرق والمغرب، والتنبيهُ على احتضار اللغة العربية، ومواجهةُ المآل المعتم لمبدإ الديمقراطية ولقيم الحرية والمساواة والصداقة. وربما كانت “الحداثة المعطوبة” الكلمةَ الجامعة التي لازمتْها نصوص نثرية، اخترقت حدودَها كلما استدعت الضرورة. ملازمة الحداثة المعطوبة كانت صبُورة لأنها كانت باستمرار توليداً وحفراً في طبقات المقاومة التي كانت شبه محجُوبة عن الأنظار، ثم أصبحت وحيدةً ومعزولةً في زمن الجهل الذي يتباهَى به الإسلاميون.
على أن النثر في هذه النصوص يتجاوبُ مع الشعر قبل أن يكون انعكاساً لخطاب اجتماعي أو فلسفي، يلتزم بتصوُّرات ومفاهيم يصدر عنها وفق منهجية قبْلية. كل هذا يستدعي أن أقول إن الأعمال النثرية لم يكن لها معنًى خارج مغامرتها الخاصة في الكتابة، ولا تتحقق لها قيمةٌ إلا بفضل ما تقدمه لها القصيدةُ وما تستقل به عنها. بل أقول إن ما كتبتُه من أعمال نثرية إضافةٌ لتجربة الكتابة الشعرية بقدر ما هي حوارٌ، مع كتابات عربية وغير عربية، له لغة المقاومة.